فصل: من فوائد الشعراوي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآيتين:

قال عليه الرحمة:
{يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (120) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَلَا يَجِدُونَ عَنْهَا مَحِيصًا (121)}
الذين قسم لهم الضلالة في الحال حكم عليهم بالعقوبة في المآل، ولولا أنه أظهر ما أظهر بقدرته وإلا متى كانت شظية من الضلالة والهداية لأربابها؟! والوقوفُ على صدق التوحيد عزيزٌ، وأربابُ التوحيد قليلٌ. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلِأُمَنِّيَنهمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذْ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا}.
فِيهَا ثَمَانِي مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: رَوَى أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ: «أَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَشِفَ الْهَيْئَةِ، فَصَعَّدَ فِي النَّظَرِ وَصَوَّبَهُ فَقَالَ: هَلْ لَك مِنْ مَالٍ؟ قُلْت: نَعَمْ.
قَالَ: مِنْ أَيِّ الْمَالِ؟ قُلْت: مِنْ كُلِّ الْمَالِ آتَانِي اللَّهُ فَأَكْثَرَ وَأَطْيَبَ؛ الْخَيْلُ وَالْإِبِلُ وَالرَّقِيقُ وَالْغَنَمُ.
قَالَ: فَإِذَا آتَاك اللَّهُ مَالًا فَلْيُرَ عَلَيْك.
ثُمَّ قَالَ: هَلْ تُنْتِجُ إبِلُ قَوْمِك صِحَاحًا آذَانُهَا فَتَعْمِدُ إلَى الْمَوْسِيِّ فَتَشُقُّ آذَانَهَا، فَتَقُولَ: هَذِهِ بَحْرٌ؛ وَتَشُقَّ جُلُودَهَا، وَتَقُولَ: هَذِهِ صُرُمٌ لِتُحَرِّمَهَا عَلَيْك وَعَلَى أَهْلِك؟ قَالَ: قُلْت: أَجَلْ.
قَالَ: فَكُلُّ مَا أَتَاك اللَّهُ حِلٌّ وَمُوسَى اللَّهِ أَحَدُّ، وَسَاعِدُهُ أَشَدُّ الْحَدِيثَ»
.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: لَمَّا كَانَ مِنْ إبْلِيسَ مَا كَانَ مِنْ الِامْتِنَاع مِنْ السُّجُودِ وَالِاعْتِرَاضِ عَلَى الْآمِرِ بِهِ بِالتَّسْفِيهِ أَنْفَذَ اللَّهُ فِيهِ حُكْمَهُ وَأَحَقَّ عَلَيْهِ لَعَنَتْهُ، فَسَأَلَهُ النَّظْرَةَ، فَأَعْطَاهُ إيَّاهَا زِيَادَةً فِي لَعْنَتِهِ، فَقَالَ لِرَبِّهِ: {لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا وَلِأُضِلَّنَّهُمْ وَلِأُمَنِّيَنهمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} وَكَانَ مَا أَرَادَ، وَفَعَلَتْ الْعَرَبُ مَا وَعَدَ بِهِ الشَّيْطَانُ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ، وَذَلِكَ تَعْذِيبٌ لِلْحَيَوَانِ وَتَحْرِيمٌ، وَتَحْلِيلٌ بِالطُّغْيَانِ، وَقَوْلٌ بِغَيْرِ حُجَّةٍ وَلَا بُرْهَانٍ، وَالْآذَانُ فِي الْأَنْعَامِ جَمَالٌ وَمَنْفَعَةٌ، فَلِذَلِكَ رَأَى الشَّيْطَانُ أَنْ يُغَيِّرَ بِهَا خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَرْكَبُ عَلَى ذَلِكَ التَّغْيِيرِ الْكُفْرُ بِهِ، لَا جَرَمَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنْ تُسْتَشْرَفَ الْعَيْنُ وَالْآذَانُ فِي الْأَنْعَامِ»، مَعْنَاهُ أَنْ تُلْحَظَ الْأُذُنُ؛ لِئَلَّا تَكُونَ مَقْطُوعَةً أَوْ مَشْقُوقَةً؛ فَتُجْتَنَبُ مِنْ جِهَةِ أَنَّ فِيهَا أَثَرَ الشَّيْطَانِ.
وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ»، وَهِيَ هَذِهِ، وَشَبَّهَهَا مِمَّا وَفَّى فِيهَا لِلشَّيْطَانِ بِشَرْطِهِ حِينَ قَالَ: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلْيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَمِّ الْغَنَمَ فِي آذَانِهَا»، وَكَأَنَّ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّدُ الْهَدْيَ وَيُشْعِرُهُ أَيْ يَشُقُّ جِلْدَهُ، وَيُقَلِّدُهُ نَعْلَيْنِ، وَيُسَاقُ إلَى مَكَّةَ نُسُكًا»؛ وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: هُوَ بِدْعَةٌ؛ كَأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ بِهَذِهِ الشَّعِيرَةِ فِي الشَّرِيعَةِ، لَهِيَ فِيهَا أَشْهَرُ مِنْهُ فِي الْعُلَمَاءِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: وَسْمُ الْإِبِلِ وَالدَّوَابِّ بِالنَّارِ فِي أَعْنَاقِهَا وَأَفْخَاذِهَا مُسْتَثْنًى مِنْ التَّغْيِيرِ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى كَاسْتِثْنَاءِ مَا سَلَف.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ، وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ، وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُوتَشِرَةَ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ».
فَالْوَاشِمَةُ هِيَ الَّتِي تَجْرَحُ الْبَدَنَ نُقَطًا أَوْ خُطُوطًا، فَإِذَا جَرَى الدَّمُ حَشَتْهُ كُحْلًا، فَيَأْتِي خِيلَانًا وَصُوَرًا فَيَتَزَيَّنُ بِهَا النِّسَاءُ لِلرِّجَالِ؟ وَرِجَالُ صِقِلِّيَّةَ وَإِفْرِيقِيَّةَ يَفْعَلُونَهُ لِيَدُلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى رُجْلَتِهِ فِي حَدَاثَتِهِ.
وَالنَّامِصَةُ: هِيَ نَاتِفَةُ الشَّعْرِ، تَتَحَسَّنُ بِهِ.
وَأَهْلُ مِصْرَ يَنْتِفُونَ شَعْرَ الْعَانَةِ، وَهُوَ مِنْهُ؛ فَإِنَّ السُّنَّةَ حَلْقُ الْعَانَةِ وَنَتْفُ الْإِبْطِ، فَأَمَّا نَتْفُ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ يُرْخِيهِ وَيُؤْذِيهِ وَيُبْطِلُ كَثِيرًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ فِيهِ.
وَالْوَاشِرَةُ: هِيَ الَّتِي تُحَدِّدُ أَسْنَانَهَا.
وَالْمُتَفَلِّجَةُ: هِيَ الَّتِي تَجْعَلُ بَيْنَ الْأَسْنَانِ فَرْجًا وَهَذَا كُلُّهُ تَبْدِيلٌ لِلْخِلْقَةِ، وَتَغْيِيرٌ لِلْهَيْئَةِ، وَهُوَ حَرَامٌ.
وَبِنَحْوِ هَذَا قَالَ الْحَسَنُ فِي الْآيَةِ.
وَقَالَ إبْرَاهِيمُ وَمُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُمَا: التَّغْيِيرُ لِخَلْقِ اللَّهِ يُرِيدُ بِهِ دِينَ اللَّهِ؛ وَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْتَمِلًا فَلَا نَقُولُ: إنَّهُ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ، وَلَكِنَّهُ مِمَّا غَيَّرَ الشَّيْطَانُ وَحَمَلَ الْآبَاءَ عَلَى تَغْيِيرِهِ، وَكُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، ثُمَّ يَقَعُ التَّغْيِيرُ عَلَى يَدِي الْأَبِ وَالْكَافِلِ وَالصَّاحِبِ، وَذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمِنْ التَّابِعِينَ جُمْلَةً: تَوْخِيَةُ الْخِصَاءِ تَغْيِيرُ خَلْقِ اللَّهِ.
فَأَمَّا فِي الْآدَمِيِّ فَمُصِيبَةٌ، وَأَمَّا فِي الْحَيَوَانِ وَالْبَهَائِمِ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مَكْرُوهٌ، لِأَجْلِ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ».
وَرَوَى مَالِكٌ كَرَاهِيَتَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ: فِيهِ نَمَاءُ الْخَلْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إنَّهُ جَائِزٌ؛ وَهُمْ الْأَكْثَرُ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّهُمْ لَا يَقْصِدُونَ بِهِ تَعْلِيقَ الْحَالِ بِالدِّينِ لِصَنَمٍ يُعْبَدُ، وَلَا لِرَبٍّ يُوَحَّدُ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهِ تَطْيِيبُ اللَّحْمِ فِيمَا يُؤْكَلُ، وَتَقْوِيَةُ الذَّكَرِ إذَا انْقَطَعَ أَمَلُهُ عَنْ الْأُنْثَى، وَالْآدَمِيُّ عَكْسُهُ إذَا خُصِيَ بَطَلَ قَلْبُهُ وَقُوَّتُهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: رَوَى عُلَمَاؤُنَا أَنَّ طَاوُسًا كَانَ لَا يَحْضُرُ نِكَاحَ سَوْدَاءَ بِأَبْيَضَ، وَلَا بَيْضَاءَ بِأَسْوَدَ، وَيَقُولُ: هُوَ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.
وَهُوَ أَنْ كَانَ يَحْتَمِلُهُ عُمُومُ اللَّفْظِ وَمُطْلَقُهُ فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِمَا أَنَفَذَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِكَاحِ مَوْلَاهُ زَيْدٍ، وَكَانَ أَبْيَضَ، بِظِئْرِهِ بَرَكَةَ الْحَبَشِيَّةَ أُمِّ أُسَامَةَ، فَكَانَ أُسَامَةُ أَسْوَدَ مِنْ أَبْيَضَ، وَهَذَا مِمَّا خَفِيَ عَلَى طَاوُسٍ مِنْ عِلْمِهِ. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}
في هذه الآية تفصيل لطرق أخذ إبليس لنصيب مفروض من بني آدم. فإبليس هو القائل كما يحكى القرآن: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16]
وعرفنا من قبل أنه لن يقعد إلا على الطريق الطيب؛ لأن طريق من اختار السلوك السيئ لا يحتاج إلى شيطان؛ لأنه هو نفسه شيطان؛ لذلك لا يذهب إبليس إلى الخمارة، ولكنه يقف على باب المسجد ليرى الناس وهي تفعل الخير فيوسوس لهم، وفي هذا إجابة لمن يقولون: إن الوساوس تأتيني لحظة الصلاة. والصلاة- كما نعلم- هي أشرف موقف للعبد؛ لأنه يقف بين يدي الرب؛ لذلك يحاول الشيطان أن يلهي الإنسان عنها حتى يحبس عنه الثواب. وهذه الوساوس ظاهرة صحية في الإيمان، ولكنها تحتاج إلى اليقظة، فساعة ينزع الشيطان الإنسان نزغة فليتذكر قول الحق: {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200]
وعندما نستعيذ بالله فورأً يعرف الشيطان أنك منتبه له، حتى ولو كنت تقرأ القرآن في أثناء الصلاة ووسوس لك الشيطان، اقطع القراءة واستعذ بالله، ثم واصل القراءة والصلاة، وحين يعرف الشيطان أنك منتبه له مرة واثنتين وثلاثًا فهو يبتعد عنك فلا يأتي لك من بعد ذلك إلاَّ إذا أحسّ منك غفلة.
ويبين لنا الحق طريقة الشيطان في أخذ النصيب المفروض من عباد الله فقال عن إبليس: {ولأضلنهم}. والإضلال معناه ان يسلك الشيطان بالإنسان سبيلًا غير مؤدٍ للغاية الحميدة؛ لأنه حين يسلك الشخص أقصر الطرق الموصلة إلى الغاية المنصوبة، فمعنى ذلك أنه اهتدى، وأما إذا ذهب بعيدًا عن الغاية، فهذا هو الضلال. والحق سبحانه وتعالى بوضعه منهج الهداية أعطانا أقصر طريق مستقيم إلى الغاية فإذا ما انحرفنا هنا أو هناك، فالانحراف في البداية يتسع حتى ننتهي إلى غير غاية.
وضربنا قديمًا هذا المثل وقلنا: إن هناك نقطة في منتصف كل دائرة تسمى مركز الدائرة، فإذا ما انحرف المتجه إليها بنسبة واحد على الألف من الملليمتر فتتسع مسافة ابتعاده عنها كلما سار على نسبة الانحراف نفسها، برغم أنه يفترض في أن كل خطوة يخطوها تهيئ له القرب إلى الغاية.
لقد ضربنا مثلًا توضيحيًا بـ «الكشك» الذي يوجد قبل محطات السكك الحديدية، حيث ينظم عامل «الكشك» اتجاهات القطارات على القضبان المختلفة ويتيح لكل قطار أن يتوقف عند رصيف معين حتى لا تتصادم القطارات، ومن أجل إنجاح تلك المهمة نجد عامل التحويلات في هذا «الكشك» يحرك قضيبًا يكون سمكه في بعض الأحيان عددًا من الملليمترات، ليلتصق هذا القضيب بقضيب آخر وبذلك يسمح لعجلات القطار أن تنتقل من قضيب إلى آخر.
الضلال- إذن- أن يسلك الإنسان سبيلًا غير موصل للغاية، وكلما خطا الإسنان خطوة في هذا السبيل ابتعد عنها، وهذا الابتعاد عن الغاية هو الضلال البعيد، والإضلال من الشيطان يكون بتزيينه الشر والقبح للإنسان ليبعده عن مسالك الخير والفضيلة.
ومن بعد ذلك يأتي على لسان الشيطان ما قاله الحق في هذه الآية: {ولأمنينهم} وألأماني هي أن ينصب الإنسان في خياله شيئًا يستمتع به من غير أن يخطو له خطوة عمل تقربه من ذلك، ومثال ذلك الإنسان الذي نراه جالسًا ويمني نفسه قائلًا: سيكون عندي كذا.. وكذا وكذا ولا يتقدم خطوة واحدة لتحقيق ذلك.
ولذلك يقول الشاعر تسلية لنفسه:
مُنًى إن تكن حقًا تكن أحسن المنى ** وإلا فقد عشنا بها زمنا رغدًا

أي أنه استمتع بهذه الأماني في أحلام اليقظة سواء أكانت هذه الأحلام امتلاك قصر أم سيارة أم غير ذلك. وكل أمنية لا تحفز الإنسان إلى عمل يقربه منها هي أمنية كاذبة، ولذلك يقال: «إن الأماني بضاعة الحمقى» والشيطان يمني الإنسان بأنه لا يوجد بعث ولا جزاء.
ومن بعد ذلك يقول الشيطان: {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} والبتك هو: القطع. والأنعام: هي الإبل والبقر والغنم، أي قطع آذان الأنعام. والقرآن قال في الأنعام: {ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مَّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: 143- 144]
لو كان الزوج يطلق على «الاثنين» لكان العدد أربعة فقط، ويعلمنا التعبير القرآني ويوضح لنا ان نفرق جيدًا لنفهم أن معنى كلمة «زوج» ليس أبدًا «اثنين»، ولكن معناها: واحد معه غيره من نوعه أو جنسه. فيقال عن فردة الحذاء «زوج» لأن معها فردة أخرى، ومثال آخر أيضا: كلمة «توأم» التي نظن أنها تعني «اثنين»، لكن المعنى الحقيقي أن التوأم هو واحد له توأم آخر، فإذا ماأردنا التعبير عن الاثنين قلنا: «توأمان».
وحين أورد من خطط الشيطان {وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} فلهذا قصة. ونحن نعرف أن المنتفعين بالضلالات يصنعون لهم سلطة زمنية حتى يربطوا الناس بأشخاصهم هم. وكان المشرفون على الأصنام يقومون على خدمتها، ولم يلحظ أحد أنه من الغباء تَقَبُّلُ فكرة أن يخدم البشر الآلهة، فالإله هو القيوم على خلقة يرعاهم ويقوم بأسبابهم، وكان هؤلاء الناس هم المنتفعين بخيبة الغفلة عند البشر، وكانوا يعيشون سدنة ليأخذوا الخير، وبطبيعة الحال فالشيطان من البشر أو الجن يجدها وسيلة، فيجلس في جوف الصنم ويتكلم فيأخذ السدنة والخدم هذه المسألة لترويج الدعايات للصنم، فيأتي الأغبياء له بالأنعام من الإبل والبقر والغنم فيذبحونها ويأكلونها.